نداءات تخلع صوتها

متعبة وكل ما بداخلي ممزقٌ ولين مثل عجينة أمي التي تكورها؛ لتصنع لنا في الأعياد وطنًا يشبه وطننا الذي تركناه خلفنا وحيدا بملامح هشمها البارود وأحرقها، لكن وعلى غير قصد من عينيها اللتين اغرورقتا بالبكاء كما أفعل الآن.. ‏احترق كعك العيد وتفحمت معه الأغاني والاحتفاءات والصيحات، وياءات النداء، وقلب أمي الذي تحول إلى منفضة للرماد. ‏أكاتبك يا صديقي، وعيناي تتقاطر دمعا، وقلبي يتقاطر حنينا، وأصابعي تتقاطر منها روح تبعثرت على صدر رسالتي التي سأبعثها إليك؛ لتعيدها إلي مرة أخرى على هيئة إنسان. وتأكد بأن هذا التقاطر مرّ مروراً كريماً على مشارف قريتي ونواحيها، ودكاكينها، وعرباتها التي حملت بكائي إلى نهر يجرفني نحو منحدر مخيف منتهاه غربة موحشة تفترس هذا الحنين المفجع بأنياب حادة. ولو أن أصابعي يا صديقي تملك حيلة أخرى؛ لكتبت أطول رسالة في العالم، أمام خسارتي الكبيرة قبل أن يجرحها التعب والخوف الذي جعلني أدفن هزيمتي في تابوت تحمله رسالتي على أكتافها وتمضي بها في جنازة قطع النحيب طريقها إليك.

وأثناء هذا الارتحال تخلع الروح الجسد واللباس الأثيري الذي كان يحيطها. ... عزلت نفسك وتمردت عن تلبية نداء الأمر الإلهي في تشكيل المملكة الجديدة للإنسان، وهاأنت الآن تثير تمرداً حول استحقاق ... تزداد قوة حين يهيج وتخف حتى بالكاد يُسمع صوتها حين يهدأ.